الإعجاز الهندسى فى الكعبة
كان الحرم في مكة أيام الرسول صلى الله عليه وسلم مؤلفا من بناء صغير مستطيل الشكل لا سقف له الكعبة، له أربعة جدران أعلى من ارتفاع الإنسان بقليل حسب رواية ابن هشام، أو حوالي 9 أذرع حوالي 4.5م حسب رواية الأزرقي، مبنية من الحجارة العادية دون ملاط مونة، وكان الحرم مستطيل الشكل يقصد الكعبة أطوال جوانبه- حسب رواية الأزرقي- 32 ذراعا شمال- شرق، و22 ذراعا شمال- غرب، و31 ذراعا جنوب- غرب، و20 ذراعا جنوب- شرق..، هذا الحرم الصغير المعروف بالكعبة يقوم في أسفل الوادي الذي تحيط به منازل مكة الملتصقة به..".
إن الوصف السابق يعنى أن أطوال أضلاع الكعبة الأصلية هي على التوالي كما يلي:
· الضلع الشمالي الشرقي 32 ذراعا.
· الضلع الشمالي الغربي 22 ذراعا.
· الضلع الجنوبي الغربي 31 ذراعا.
· الضلع الجنوبي الشرقي 20 ذراعا.
وهو ما يعني أنه لا يوجد ضلع من أضلاع الكعبة الأصلية يساوى أي من الأضلاع الأخرى، كما أنه لا يوجد ضلع يوازى الضلع المقابل، وهذه هي سمات الأشكال ذات الأربعة أضلاع التى يطلق عليها من ناحية توصيف الشكل الهندسي بالأشكال "المنحرفة" أو "مختلفة الأضلاع"، وهى من الأشكال نادرة الاستعمال في المساقط الأفقية بصفة عامة، مقارنة بالأشكال الهندسية الأخرى كالمربع أو المستطيل أو شبه المنحرف وغيرها.
إن مقاسات الكعبة الأصلية كما وردت في كتاب الأزرقي "أخبار مكة"، كما رفع قواعدها سيدنا إبراهيم، تختلف عن مقاسات الكعبة الحالية والتي تنقص عدة أذرع من جهة حجر إسماعيل منذ أن جددت قريش بناءها، كما ورد ذلك في بعض الأحاديث النبوية، ففي صحيح البخاري-رحمه الله تعالى- قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه".
إن مقاسات الكعبة حاليا منذ أن جدد بناءها في عهد قريش كما يلي:
· الضلع الشمالي الشرقي 11.68 مترا.
· الضلع الشمالي الغربي 9.90 مترا.
· الضلع الجنوبي الغربى 12.04 مترا.
· الضلع الجنوبي الشرقي 10.18 مترا.
إن الشكل الهندسي للكعبة منذ أن رفع جدرانها سيدنا إبراهيم إلى الآن لم يتغير، بالرغم من حدوث نقص من طولها من جهة حجر إسماعيل حين جددت قريش بناءها، فالشكل الهندسي للكعبة هو الشكل المنحرف أو مختلف الأضلاع، وهو شكل نادر الاستعمال في المساقط الأفقية لأنه لا يوجد فيه أضلاع متساوية في الطول أو متوازية على الإطلاق.
لقد ورد في العديد من الدراسات والمراجع خاصة غير العربية، أن سبب تسمية الكعبة بهذا المسمى أنها مكعبة الشكل، ولكن مقاسات الكعبة توضح غير ذلك كما بينا، وهذا يعنى أن سبب التسمية لا يتفق مع الشكل الهندسي.
إن سبب هذه التسمية يمكن أن يكون راجعا لسبب آخر وهو بروز الكعبة، فالكعب في اللغة هو العظم الناتئ عند ملتقى الساق والقدم، ويقال في اللغة: "كعبت الفتاة أي نهد ثديها فهي كاعب، ومنها قوله تعالى في وصف الحور العين: "وكواعب أترابا"، فمن المعنى اللغوي لكلمة "الكعبة" نرجح أن سبب التسمية راجع إلى بروزها، لا لكونها مكعبة الشكل لأن هذا لا يتفق مع شكلها الهندسي كما أوضحنا.
2- دراسة النسب الهندسية للكعبة المشرفة:
بناء على التحليل الهندسي للمقاسات الأصلية لمبنى الكعبة المشرفة، كما بناها سيدنا إبراهيم عليه السلام فقد تم التوصل لما يلي:
1- النسبة المتوسطة ما بين عرض مبنى الكعبة إلى طولها هي 2: 3، وهى نسبة هندسية دقيقة ومحددة.
2- النسبة المتوسطة ما بين عرض مبنى الكعبة مابين حائطها الجنوبي (بين الركنين الأسود واليماني)، وطولها حتى نهاية حجر إسماعيل هي 1: 2، وهى أيضا نسبة هندسية دقيقة.
3- النسبة الحقيقية بين حائط الكعبة بين الركنين الأسود واليماني إلى حائط الكعبة مابين الركنين الأسود والعراقي هي 1: 1.60 وهى تعرف باسم النسبة الذهبية (فاى)، وهى تعتبر من وجهة النظر الهندسية أفضل نسبة مريحة للعين البشرية ولم تعرف تحديدا إلا بدءا من الحضارة الإغريقية، على يد الرياضي الأغريقى "فيثاغورس"، حيث وجد فيثاغورس واليونانيون القدماء أن هذه النسبة مريحة بصريا، وتشكل أحد أهم معايير الجمال في الطبيعة، لذا فقد اعتمدوا هذا المستطيل الذهبي في عمائرهم.
إن التحليل الهندسي السابق للمقاسات الأصلية للكعبة المشرفة يوضح دقة نسبها الهندسية بصفة عامة، ومن جانب آخر يوضح تميزا في اختيار النسبة الهندسية الأصلية مابين الحائط الجنوبي الغربي والحائط الشمالي الشرقي (الحائطان الملتقيان عند ركن الحجر الأسود)، حيث إن النسبة الحقيقية بينهما هي "النسبة الذهبية" (فاى).
ثالثا: دراسة أسلوب توجيه الكعبة المشرفة:
في هذا المحور من البحث سنحاول أن نوضح أن وضع وتوجيه الكعبة المشرفة بحيث يمكن الاهتداء إليها في الصلاة، هو وضع مقصود يتمشى مع وظيفتها الأساسية كقبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
1- دراسة توجيه الكعبة المشرفة:
توصل المهندس محمد المعتز بالله الكنانى بعد قياس زوايا انحراف الكعبة المشرفة (عام 1410 هجرية)، إلى أن محور الكعبة الواصل بين الركن العراقي والركن اليماني مارا بمركز الكعبة، يتجه إلى الشمال المغناطيسي مع انحراف يسير جهة الشرق يقدر بحوالي 3.50 درجة.
لقد قام مقدم البحث بدراسة الصورة الجوية الملتقطة بالأقمار الصناعية باستخدام برنامج "جوجل ايرث" Google earth، وبمقارنة توجيه المسقط الأفقي للكعبة حاليا بالنسبة لخطوط الطول، اتضح من ذلك أن قطر الكعبة الواصل بين الركن اليماني والركن العراقي يميل بحوالي 7 درجات جهة الشرق عن اتجاه الشمال الحقيقي، وهذا يعنى أن الخط الواصل بين الركن اليماني الحالي والركن العراقي الأصلي، يشير تماما إلى اتجاه الشمال الحقيقي.
لقد أدى توجيه الكعبة بهذا الأسلوب إلى أن ترتبط ببعض الظواهر الفلكية المعينة، فالشمس في فصل الصيف تشرق من أمام الحائط الشمالي الشرقي الذي به باب الكعبة، أما الشمس شتاء فتغرب من أمام الحائط الشمالي الغربى (مابين الركنين اليماني والشامي)، أما الاتجاه المتعامد على الضلع الواصل بين ركن الحجر الأسود والركن اليماني يأخذ اتجاه شروق الشمس في فصل الشتاء،وفي نفس الوقت يأخذ اتجاه النجم سهيل (سهيل اليمن) عند شروقه في الجهة الشرقية الجنوبية، وهذا النجم يعتبر ألمع نجوم السماء بعد نجم الشعرى اليمانية، أما الضلع الواقع بين الركن العراقي والركن الشامي يأخذ اتجاه ثلاثة نجوم في يد المحراث في مجموعة الدب الأكبر والتي كان يسميها العرب نجوم بنات نعش.
وقد تم العثور على مخطوط عربي نادر في مكتبة ميلانو (المجموعة 73) بايطاليا لفلكي مسلم من عدن باليمن يسمي محمد ابن أبي بكر الفارسي كتبه في عام 1290 ميلادي(في القرن الثالث عشر الميلادي)، وذلك المخطوط ينص بأن الكعبة بنيت بحيث أن كل ركن فيها يقابل اتجاه ريح من الرياح الأربع التي تهب علي مكة المكرمة خلال فصول العام.